لم تكن ذكرى اسبوع محمد مهدي حسان ابو حمدان، الفتى المراهق، شهيد "حزب
الله"، الذي لقيَ مصرعه في سوريا مقاتلاً في صفوفه، حدثاً عادياً لدى الحزب
، كما وقع نعيه الذي استنهض الرأي العام اللبناني . فقد دعيت وسائل
الاعلام لتغطية الذكرى، التي أقيمت الاحد في حسينية تعلبايا- قضاء زحلة،
حيث سيصدر "موقف سياسي مهم" عن "شخصية مهمة جداً" من الحزب ، هو نائب
الامين العام الشيخ نعيم قاسم.
فقد خصص الشيخ قاسم نحو 21 دقيقة من كلمته، التي استغرقت ما يقارب نصف ساعة
و6 دقائق، ليردّ بطريقة مباشرة وغير مباشرة على الانتقادات والتعليقات
التي طاولت "حزب الله" في وسائل الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي لارساله
قاصراً الى جبهات القتال في سوريا، شارحاً موضحاً وأحياناً مبرراً، فيحسم
مسألة عمر محمد مهدي الملقب "هيثم رعد"، "فهو قد بلغ من العمر 17 عاما
وعدة اشهر"، ونكتشف معه بأنه لم يكن فقط قاصراً، بل صبياً وحيداً لوالديه،
ولهذه النقطة أيضاً توضيح من الشيخ قاسم الذي خاطبه قائلا: "ماذا أقول وانا
في حضرة شهيد ملأ قلبي حباً وجعلني أشعر بالمسؤولية الكبرى بأنه سبقني الى
التعبير عن عشقه لله تعالى بشهادته، ولا زلت انتظر والله اعلم كم يطول
البقاء". ويضيف: "أيها الشهيد محمد مهدي انت علم ورمز. ترقيت من رتبة مجاهد
على هذه الارض الى رتبة امير عند الله تعالى في جنة الخلد. عملت وانت حريص
لان تسلك هذا الدرب بكل قناعة وتصميم، وقد فزت والحمدلله".
ليبدأ بعدها التوضيح: "لدينا في حزب الله قرار اتخذناه من فترة طويلة ، الا يذهب من كان وحيداً عند والديه الى الجبهة. هذا عمل احترازي وعمل اعتباري لاننا لن نقدم موتاً ولن نؤخر موتاً. لكن في نظر الناس ان هذا الولد هو وحيد لوالديه اتركوه لوالديه، يعني لو مات بطرق أخرى لكان الناس يرضون، لكن ان يذهب الى الجهاد فهذه فيها نقطة ضعف وعلامة استفهام".
ويتابع: "أمام الحاح المجاهدين، والحاح الآباء والامهات الذين لديهم افراد وحيدون، قررنا انه اذا وافق الاب ووافقت الام بكتاب خطي يمكن للوحيد ان يذهب ليقاتل. محمد مهدي حصل على الموافقة لانه مصرّ من ناحية ، ولان والديه شعلة نور وتقوى وهما حريصان على ان يفتحا الدرب الى عطاءات التقوى وقد ربياه على ذلك. نحن اليوم نحتفل بشهادة الشهيد وعظمة الوالد والوالدة".
ويضيف مبرراً: "عادة نوعز للاخوة المجاهدين، إذا ذهب الوحيد مع الورقة والتوقيع واصرّ، إحرصوا على الا يكون في المواقع الامامية، ايضا جزء من الاحتياط. لكن محمد مهدي تسلل بالعشق الالهي الى شهادة العز ترفعه الى الله تعالى شهيداً".
وينتقل بعدها للرد مباشرة: "ربما سمعتم بعض التعليقات التي
تقول بانه اقلّ من 18 عاما وكأن هذا العمر هو العمر المرسوم. وهو قد بلغ
من العمر 17 عاما وعدة اشهر، لكن في فهمنا الاسلامي التكليف يبدأ من البلوغ
عند الصبي، فاذا لم يبلغ فعندما يبلغ من العمر 15 عاما هجرية. وبالتالي هو
يصبح مكلفا بالحلال والحرام، يؤاخذ، يسجل عليه، يعاقب، يثاب ويختار. هذه
الدعاية التي يحاول البعض ان يثيرها وكأننا نأخذ الاطفال الى المعركة، هي
حرب نفسية فاشلة، لاننا امام بطل مكلف ذهب باختياره واخذ توقيع والديه،
وتسلل الى المواقع الجهادية الامامية بكل عشق وحب، فاستحق ان يكون اميرا
وان يكون نموذجا لكل الثوار".
ومضى قائلا: "ايها الشهيد محمد مهدي، انت الذي اخترت هذه الطريق وحسنا فعلت. نحن متألمون لغيابك لاننا نريد انوارك ان تشعّ في كل لحظة، ولكن بالحسابات الاسلامية بشهادتك ستستمر انوارك تشع بكل لحظة. "ولا تحسبنّ الذين قتلوا في سبيل الله امواتا بل احياء عند ربهم يرزقون". وبذلك انت الحيّ والمؤثر، وتأكد ان هذه الشهادة ستعطي دفعاً كبيراً للشباب، للذين يطمحون الى الوصول الى هذا المقام الذي وصلت اليه. محمد مهدي اخترت طريقا من 3 طرق توصل الى الله تعالى: الطريق الاول هو طريق العبيد، الذين يخافون من الله تعالى، ويعبدونه خوفا، فتلك عبادة العبيد كما قال امير المؤمنين، وهي طريق مقبولة. والطريق الثاني هي طريق التجار الذين يطمعون في عبادة الله تعالى من اجل جنته، ومن اجل الحور العين والمأكولات والمشروبات والاشجار الخ، هذه عبادة التجار وهي عبادة مقبولة. لكن العبادة الارقى، هي عبادة الحب لله تعالى، عبادة العشق لله تعالى، وانت يا محمد مهدي ذهبت الى عبادة الاحرار، لانك اقبلت حبا لله وتعلقا به ".
ويتابع الشيخ قاسم في السياق عينه مدلياً بنظرة "حزب الله" للمراهقة: "بعض النظريات تتحدث بان الشباب في عمر المراهقة لا بد ان يمر في فترة معصية، ولا بد ان يرتكب الهفوات والاخطاء والانحرافات، هذه نظرة خاطئة، هذه نظرة منحرفة. الشباب في سن المراهقة يمتلك طاقة اضافية استثنائية يصل اليها في هذا العمر، فاذا استفدنا من طاقته في طاعة الله وفي الصلاح كان قويا في الطاعة كما يكون قويا في المعصية اذا لم نستطع ان نرشده بطريقة صحيحة. والدليل على ذلك كثير من الشباب في العالم في هذه السن، يدور في الملاهي والمراقص والمخدرات والاعمال المنكرة والانحرافات المختلفة ثم يخرج علماء النفس او بعض الاطباء او المحللين فيعذرونهم لانهم شباب، ولا بد ان يقعوا في ما وقعوا فيه. هذا خطأ، لان المقابل هو ما قدمته المقاومة الاسلامية. شباب في ريعان الورود، يقفون في ساحة الجهاد، يذلون اسرائيل والتكفيريين، ويقدمون العطاءات المختلفة بكل جرأة وشجاعة، يسجدون لله ويتميزون بحسن الخلق، ويعملون مع اهلهم واقرانهم بكل ادب ولياقة، ثم يحملون بنادقهم اشداء على الكفار، رحماء بينهم. هذا نموذج الشباب الذي عبر عنهم محمد مهدي".
ثم يضيف: "من قال اننا لا نهتم بكل ما يمكن الى استثمار امكانات الشباب؟ نحن ندعو الشباب الى العلم والجهاد والعمل الاجتماعي والزواج المبكر وبناء الاسر، نسعى لان يكون مجتمعنا وساحتنا، ساحة متكاملة في استثمار هذه الامكانات والطاقات في الخير، من اجل ان نغيّر المعادلة، لا ان نكون اسرى المعادلة التي يصنعها الاعداء او الاستكبار العالمي".
وينهي هذا الجزء من كلمته بالقول: "اخرجوا من التنظير ايها المنظّرون، لا تعلمونا من نأخذ الى الجهاد ومن لا نأخذ، ولا تعلمونا كيف نربي وماذا نربي. تربيتنا انجبت جهاداً ونصراً ، وتربيتكم انجبت فساداً وهزيمة. تربيتنا رفعت مقامنا ليكون الحق خفاقاً ويكون المؤمن عزيزاً، وتربيتكم عممت الاحباط واليأس واخذتنا الى المذلة بتبريرات كثيرة. لا احد ينظّر علينا، صغير وكبير، كل واحد يختار، وهو مكلف بملء ارادته، هذا هو النجاح الحقيقي. نحن نجحنا في مقاتلة اسرائيل لاننا انطلقنا بايمان. لم يذهب احد للقتال من اجل راتب، ولم يذهب احد لانه من المرتزقة، ولم يذهب احد لانه يريد ان يطعم عياله من قتاله، كل واحد من شبابنا ذهب ليقاتل وقد ترك الدنيا خلفه، لا يسأل عنها لا من قريب ولا من بعيد عشقا لله وحبا للكرامة والحرية".
ليتناول الشيخ قاسم في ما تبقى من كلمته، ذكرى حرب تموز
ويلج منها الى سوريا فملف عودة النازحين السوريين، واخيراً موقف "حزب الله"
من سلسلة الرتب والرواتب التي يؤيد إقرارها في جلسة الثلثاء، في مقابل رفض
زيادة الضريبة على القيمة المضافة.
النهار اللبنانية