" عقد قران في خيمة ينتهي بالندم " .. رويترز : حلم اللاجئين السوريين بالزواج يصطدم بكابوس البيروقراطية في لبنان

٢٠ ديسمبر ٢٠١٧ 29192 المشاهدات
الإعلانات

تزوج اللاجئان السوريان عمار وخديجة في خيمة تحيط بها الثلوج في لبنان على يد شيخ قبلي سوري عقد القران الذي ندما عليه فيما بعد.

وتحول ما كان يأمل الاثنان أن يصبح خطوة على طريق عودتهما للحياة الطبيعية إلى بداية كابوس لعين من البيروقراطية.

وبعد مرور عام على الزواج، لا تلوح نهاية في الأفق لهذا الكابوس الجاثم على أنفاسهما وأنفاس ابنهما حديث الولادة ولاجئين سوريين آخرين تضاعف بؤس فقدان منازلهم مع شعور جديد بالخوف من أنهم قد لا يتمكنون من العودة إليها.

وتمتد تداعيات المعضلة إلى استقرار لبنان الذي يؤوي أكثر من مليون لاجئ سوري وربما لبلدان أخرى في الشرق الأوسط وأوروبا قد ينتقلون إليها في حالة انتشار التوترات.

وبعد أن عقد الشيخ قران عمار وخديجة في الخيمة التي أصبحت مسكنا لأسرة خديجة أمضى الزوجان شهورا في جني البطاطا (البطاطس) في سهل البقاع، أحد أفقر مناطق لبنان، لكسب عيشهما.

ولم يدرك الاثنان أن زواجهما كان خطأ إلا بعد أن رزقا بابنهما خلف.

فعندما ذهبا لتسجيل ميلاد الطفل في الدائرة المحلية المخصصة لذلك أبلغا بأن ذلك غير ممكن لأنهما لا يحملان وثيقة زواج رسمية.

وبدون تسجيل لا يمكن أن يحصل خلف على جواز سفر سوري أو أي بطاقة هوية أخرى تمكنه من العودة للديار. وبدون أوراق سليمة سيكون الطفل عرضة للاعتقال في لبنان في المستقبل.

وردا على سؤال عن سبب عدم زواجهما لدى جهة شرعية معترف بها تطلع عمار وخديجة لبعضهما البعض وقالا ”ما كنا منعرف“.

معضلة

تبدو القوانين والتشريعات بعيدة تماما عن مناطق الإيواء العشوائية في شمال سهل البقاع حيث توجد خيام اللاجئين السوريين على أرض صخرية وسط حقول التبغ. والزواج على يد الشيوخ غير المسجلين أمر شائع لكن من الصعب معرفة عدد هذه الزيجات لأن السلطات نادرا ما تعرف بها.

ومن السهل في سوريا تسجيل الزواج القبلي الشفهي أو الزيجات الشرعية لكن لدى لبنان إجراءات معقدة ومكلفة.

حيث يلزم أولا أن الزواج على يد شيخ معترف به من قبل إحدى المحاكم الشرعية التي تختص بمسائل الأحوال الشخصية لإعطاء عقد. ويلزم بعد ذلك الحصول على شهادة زواج من مسؤول بالبلدة أو المدينة ثم تقديمها إلى دائرة مختصة وتسجيلها في مكتب يعرف باسم مكتب وقوعات الأجانب.

ومعظم السوريين لا يكملون هذه العملية، لأنها تتطلب إقامة قانونية في البلاد يجب تجديدها سنويا بتكاليف تبلغ 200 دولار لكن تم إعفاء بعض اللاجئين من هذه الرسوم هذا العام.

والآن بعد أن أنجب عمار وخديجة طفلهما أصبح يتعين عليهما اتخاذ إجراءات مكلفة لتثبيت الزواج بالمحكمة.

ويتقاضى عمار ستة آلاف ليرة (أربعة دولارات) يوميا عن عمله في جمع البطاطا أو البصل أو الخيار من السادسة صباحا يوميا ولمدة خمس ساعات، لكن هذا المبلغ لا يكفي لمجرد العيش ناهيك عن الادخار.

ويقول عمار ”كيس الحفاضات سعره عشرة آلاف ليرة“.

وتقول سالي أبي خليل مديرة منظمة أوكسفام الخيرية في لبنان إن 80 بالمئة من اللاجئين السوريين ليس لديهم تصاريح إقامة سارية وهذا من ضمن الأسباب الأساسية التي تحول دون تسجيل زيجاتهم إلى جانب مسألة الشيوخ غير المسجلين.

وأضافت ”الأطفال الذين يولدون لمن لم يسجلوا زواجهم يواجهون خطر أن يصبحوا بلا وطن“.

ولا يمكن للاجئين كسب عيشهم بشكل قانوني إلا عن طريق الحصول على تصريح عمل مما يتطلب بدوره إقامة قانونية وهي معضلة تعاملت معها السلطات جزئيا في فبراير شباط بإعفاء اللاجئين المسجلين لدى مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين قبل عام 2015 وليس لهم كفيل لبناني من الرسوم.

واتخذت المديرية العامة للأحوال الشخصية في لبنان خطوة أخرى في 12 ديسمبر كانون الأول لمساعدة اللاجئين عندما أصدرت مذكرة ألغت شرط إقامة الوالدين والطفل لتسجيل الميلاد.

لكن إذا كان الزواج تم على يد شيخ غير مسجل، مما يشمل كل الشيوخ السوريين، فإن الأمر يزداد تعقيدا إذ يتفاقم بمرور الوقت الخطر على مصير الأبناء الذين يتعين تسجيلهم خلال عام من تاريخ الميلاد.

وقال راجح وهو لاجئ سوري في قرية بجنوب لبنان “عند تسجيل الزيجات أكبر مشكلة واجهتنا هي مشكلة الشيخ.

”نحن بسوريا بإمكان الولد يكون عمره 10 سنين بتسجلي.. بنهار واحد“.

ضغوط سياسية

وإذا انقضت مهلة العام لتسجيل الطفل في لبنان فسيتعين على الوالدين السعي لتثبيت الميلاد بالمحكمة من خلال إجراءات تتجاوز تكلفتها المئة دولار وتتطلب إقامة قانونية في البلاد وهو ما لا يملكه عمار وخديجة.

وتصبح الإقامة القانونية مطلوبة في لبنان اعتبارا من سن 15 عاما. وعند هذه المرحلة يحرم سوريون كثيرون أبناءهم من المدارس ولا يسمحون لهم بالابتعاد عن المنزل أو الحي خوفا من توقيفهم واعتقالهم.

وقالت تينا جيويس الأخصائية القانونية في المجلس النرويجي للاجئين إن أكثر من نصف السوريين الذين فروا من الحرب الدائرة في بلادهم منذ عام 2011 تقل أعمارهم عن 18 عاما وواحد من كل ستة منهم طفل رضيع.

وتحت ضغوط من لبنانيين يقولون إن بلدهم تحمل الكثير من عبء أزمة اللاجئين يعمل ساسة على الدفع بقوة أكبر من أجل عودة اللاجئين إلى سوريا مما يزيد المخاطر إذ أن التوثيق مطلوب لترحيلهم.

وقال القاضي الشيخ وسيم يوسف الفلاح، وهو قاضي بيروت الشرعي في محكمة بيروت الشرعية، إن المحكمة تقترح على من يتزوجون على يد شيخ غير مسجل إعادة عقد القران. وأضاف أن عدد طلبات التوثيق بالمحكمة زاد لثلاثة أمثاله.

لكن عقد الزواج مرة أخرى ليس حلا لمشكلة عمار وخديجة لأن الحمل أو إنجاب طفل يجعل هذا الخيار مستبعدا.

وتقول جيويس إن عقد القران مرة أخرى يعقد إجراءات الميراث أو أي إجراءات قانونية أخرى كما أن تكلفته عالية إذ تتقاضى المحاكم ما يصل إلى 110 دولارات لتسجيل حتى الزيجات التي عقدها الشيوخ.

وقال زياد الصايغ، وهو مستشار كبير في وزارة المهجرين، إن بيروت تحرص على مساعدة اللاجئين على التغلب على هذه الصعوبات.

وأضاف ”ما بدنا ياهن يطلعوا مكتومين القيد بدايةً. إذا طلعتي مكتومة القيد عندك مشكلة قانونية سوف تنعكس على الطفل وعلى البلد المضيف“.

سارة دعدوش - رويترز

* النص كما ورد في النسخة العربية

الإعلانات
الإعلانات